» أولاً :الخوف والخشية .
الخوف :« توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة، ويضاد الخوف: الامن ويستعمل ذلك في الامور الدنيوية والاخروية.
قال تعالى: (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وقال: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله) وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم
عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) وقال: (وإن خفتم ألا تقسطوا)، وقوله (وإن خفتم شقاق بينهما) فقد فسر ذلك بعرفتم، وحقيقته وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم.
والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الاسد، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات، ولذلك قيل لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا.
والتخويف من الله تعالى هو الحث على التحرز وعلى ذلك قوله تعالى: (ذلك يخوف الله به عباده) ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان والمبالاة بتخويفه فقال: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون وإن كنتم مؤمنين) أي فلا تأتمروا لشيطان وإئتمروا لله ويقال تخوفناهم أي تنقصناهم تنقصا اقتضاه الخوف منه.
وقوله تعالى (وإنى خفت الموالى من ورائي) فخوفه منهم أن لا يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدين، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهلة قالقنيات الدنيوية أخس عند الانبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها.
والخيفة الحالة التى عليها الانسان من الخوف، قال تعالى:
(فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف) واستعمل استعمال الخوف في قوله: (والملائكة من خيفته) وقوله: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) أي كخوفكم وتخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم، والتخوف ظهور الخوف من الانسان، قال: (أو يأخذهم على تخوف).
»
الخشية : « خشى: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال: (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى - من خشى الرحمن - فخشينا أن يرهقهما - فلا تخشوهم واخشوني - يخشون
الناس كخشية الله أو أشد خشية) وقال: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله - وليخش الذين) الآية، أي ليستشعروا خوفا من معرته، وقال تعالى: (خشية إملاق) أي لا تقتلوهم معتدين لمخافة أن يلحقهم إملاق (لمن خشى الرحمن بالغيب) أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه. »غريب الألفاظ للأصفهاني
ولا شك أن الخشية أعلى منه وهي أشد الخوف فإنها مأخوذة من قولهم شجرة خشية أي يابسة وهو فوات بالكلية والخوف من ناقة خوفاء أي بها داء وهو نقص وليس بفوات ولذلك خصت الخشية بالله في قوله تعالى ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب
وفرق بينهما أيضا بأن الخشية تكون من عظم المختشى وإن كان الخاشي قويا والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمرا يسيرا ويدل لذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدل على العظمة نحو شيخ للسيد الكبير وخيش لما غلظ من اللباس ولذا وردت الخشية غالبا في حق الله تعالى نحو من خشية الله إنما يخشى الله من عباده العلماء وأما يخافون ربهم من فوقهم ففيه نكتة لطيفة فإنه في وصف الملائكة ولما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظا شدادا فهم بين يديه تعالى ضعفاء ثم أردفع بالفوقية الدالة على العظمة فجمع بين الأمرين ولما كان ضعف البشر معلوما لم يحتج إلى التنبيه عليه
فتأمل قول الله تعالى :
[وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] {الأنعام:51}
[يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] {النحل:50}
[رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ] {النور:37}
[أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ] {النور:50}
[وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الأَلِيمَ] {الذاريات:37}
[كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الآَخِرَةَ] {المدَّثر:53}
[الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ] {الأنبياء:49}
[الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ] {الأحزاب:39}
[إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ] {فاطر:18}
[اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ ] {الزُّمر:23}
» ثانياً :الشح والبخل :
والشح هو أشد البخل قال الراغب الشح : بخل فيه حرص وفرق العسكري بين البخل والضن ؛ بأن الضن أصله أن يكون بالعواري والبخل بالهبات ، ولهذا يقال هو ضنين بعلمه ولا يقال بخيل، لأن : العلم بالعارية أشبه منه بالهبة لأن الواهب إذا وهب شيئا خرج عن ملكه بخلاف العارية ولهذا قال تعالى:
[وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِينٍ] {التَّكوير:24} ولم يقل ببخيل
»ثالثاً : السبيل والطريق :
والأول أغلب وقوعا في الخير ولا يكاد اسم الطريق يراد به الخير إلا مقرونا بوصف أو إضافة تخلصه لذلك كقوله تعالى : [قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ] {الأحقاف:30} وقال الراغب السبيل الطريق التي فيها سهولة فهو أخص .
»رابعاً : الأفعال « جاء ، وأتى »
«جاء» يقال في الجواهر والأعيان والثاني في المعاني والأزمان ولهذا ورد جاء في قوله تعالى :
[قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ] {يوسف:72}
[وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ] {يوسف:18}
« آتى »
قال تعالى : [أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {النحل:1}
وأما قوله تعالى في استعمال الفعل « جاء » { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ سورة الفجر ، الآية : 22 ] ) فإن المراد به اثبات صفة المجيء لله تعالى يوم القيامة كما اثبتها السلف الصالح ، ولا يجوز ان نتاولها كما فعل المؤولة بانه « أهوال القيامة » إذ لا يمكن تأويل الإتيان فيها بأنه إتيان الأمر أو العذاب ؛ لأنه ردد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب ، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه ([1]) ، لذلك فإنه : يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: " وجاء ربك والملك صفاً صفاً " تماماً كما انه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث. فمجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب والسنة ، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى ، وهذا ما قرره أبو عثمان الصابوني حيث قال : ( وكذلك يثبتون ما أنزله الله - عز اسمه - في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ } [ سورة البقرة ، الآية : 210 ] .وقوله عز اسمه : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ سورة الفجر ، الآية : 22 ] ) . ([2]) . فدعوى المجاز تعطيل له عن فعله ، واعتقاد أن ذلك المجيء والإتيان من جنس مجيء المخلوقين وإتيانهم نزوع إلى التشبيه يفضي إلى الإنكار والتعطيل .ففي عقيدة السلف أصحاب الحديث : ( بلا كيف: فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكم وكففنا عن الذي يتشابه، إذ كنا قد أمرنا به في قوله تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ).
فمنهج أَهل السنَّة والجماعة في كلِّ ذلك الإِيمان الكامل بما أَخبر به الله تعالى ، وأَخبر به رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتسليم به ؛ كما قال الإِمام الزُّهري رحمه الله تعالى : (مِنَ اللهِ الرِّسَالةُ وعلى الرسولِ البلاغُ وعلينا التَسليمُ ([3]) . وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
(آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله)([4])
وقال النبي في حديث طويل : « حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين » ([5]) ، وهذه صفة من الصفات الفعلية التي يفعلها الله تعالى إذا شاء ، وأهل السنة لم يشبِّهوا مجيء الله بمجيء الخلق كما فعلت المشبهة ، وكذلك لم يؤوِّلوا ويحرِّفوا كما فعلت المعطلة .
وقوله تعالى : [وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {الأعراف:34} لأن الأجل كالمشاهدة ولهذا عبر عنه بالحضور في قوله [كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِ] {البقرة:181} ولهذا فرق بينهما في قوله :
[قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ] {الحجر:63} [وَأَتَيْنَاكَ بِالحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ] {الحجر:64} .
لأن الأول والعذاب وهو مشاهد مرئي بخلاف الحق .
وقال الراغب الإتيان مجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء قال ومنه قيل للسائل المار على وجهه أتى
خامساً : الأفعال « سقى وأسقى »
« سقى » : لما لا كلفة فيه . ولهذا ذكر في شراب الجنة نحو قوله تعالى : [عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا] {الإنسان:21}
« أسقى » : لما فيه كلفة ولهذا ذكر في ماء الدنيا نحو قوله تعالى : [وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا] {الجنّ:16}
سادساً : الأفعال « عمل وفعل »
« عمل » : لما كان من امتداد زمان نحو قوله تعالى :
[يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ] {سبأ:13} [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ] {يس:71} لأن خلق الأنعام والثمار والزروع بامتداد.
« فعل » : ليس له امتداد زمان نحو قوله تعالى :
[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ] {الفيل:1} وقوله تعالى : [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ] {الفجر:6} أي :كيف فعلنا بهم لأنها إهلاكات وقعت من غير بطء. [يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] {النحل:50} أي في طرفة عين ولهذا عبر بالأول في قوله وعملوا الصالحات حيث كان المقصود المثابرة عليها لا الإتيان بها مرة أو بسرعة وبالثاني في قوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الحج:77} فافعلوا الخير حيث كان بمعنى سارعوا كما قال تعالى : [فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا] {البقرة:148} .
وقوله تعالى : [وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ] {المؤمنون:4} ولم يقل عاملون ، فلو كانت اللفظة نفس جنس اللفظة الأخرى لما اختارها الله في قوله : حيث كان القصد يأتون بها على سرعة من غير توان
» سابعاً : الأفعال « القعود والجلوس»
«القعود » : لما فيه لبث ولزوم ،ولهذا يقال قواعد البيت ولا يقال جوالسه للزومها ولبثها ويقال : «جليس الملك» ولا يقال : قعيده ؛ لأن مجالس الملوك يستحب فيها التخفيف ولهذا استعمل الفعل قعد في قوله جل وعلا : [فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ] {القمر:55} للإشارة إلى أنه لا زوال له بخلاف المدلول للفعل « جلس» وتامل قول الله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ] {المجادلة:11} لأنه يجلس فيه زمانا يسيرا بخلاف لو قلنا في المقاعد ، إذ تعني لزوم المكان والإطالة فيه.
» ثامناً : التمام والكمال
الإتمام : إزالة النقصان الحاصل في أصل الشئ ، وقيل تم يشعر بحصول نقص قبله
الإكمال : مدلول فيه كمال يطرأ عليه نقصان مفاجئ فيستعمل اللفظ لإزالة هذا النقص العارض بخلاف النقص الأصيل الذي لا يجزو استعال الفعل اكمال بل إتمام .
وقد اجتمعا في قوله تعالى تعالى : [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] {المائدة:3} .
تامل قوله تعالى :[ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ] {البقرة:196} فعشرة كاملة أحسن من تامة ، فإن التمام من العدد قد علم وإنما نفى احتمال نقص في صفاتها .
قال العسكري الكمال : اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف ولهذا يقال القافية تمام البيت ولا يقال كماله ويقولون البيت بكماله أي باجتماعه .
» تاسعاً : الأفعال : الإعطاء والإيتاء
نقل السيوطي في «اتقانه» عن الخويي : لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله ؛ لأن الإعطاء له مطاوع .
تقول أعطاني فعطوت ولا يقال في الإيتاء أتاني فأتيت وإنما يقال آتاني فأخذت والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له لأنك تقول قطعته فانقطع فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول في المحل لولاه ما ثبت المفعول ولهذا يصح قطعته فما انقطع ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك فلا يجوز ضربته فانضرب أو فما انضرب ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها .
فعليه إن الإيتاء أقوى من الإعطاء وفي مواضع من القرآن يراعي ذلك جيداً ، قال تعالى :[ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ] {آل عمران:26} لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة .
وقوله تعالى : [يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ] {البقرة:269} ، وقوله [وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآَنَ العَظِيمَ] {الحجر:87} لعظم القرآن وشأنه .
بينما قال الله تعالى في الفعل أعطى : [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ] {الكوثر:1} لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه قريب إلى منازل العز في الجنة فعبر فيه بالإعطاء لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه. وقال تعالى : [وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى] {الضُّحى:5} لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا وهو مفسر أيضا بالشفاعة وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه .
[قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى] {طه:50} ، لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات حتى يعطوا الجزية لأنها موقوفة على قبول مناً وإنما يعطونها عن كره
قال الراغب الأصفهاني : خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقام الصلاة وآتى الزكاة قال وكل موضع ذكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أوتوا لأن أوتوا قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول .
[1] قال ابن القيم في « الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة » فرق بين إتيان الملائكة ، وإتيان الرب ، وإتيان بعض آيات الرب فقسم ونوع ، ومع هذا التقسيم يمتنع أن القسمان واحدا فتأمله قال : ولهذا منع عقلاء الفلاسفة حمل مثل هذا اللفظ على مجازه ، وقالوا : هذا يأباه التقسيم والترديد والإطراء «
[2] [ عقيدة السلف أصحاب الحديث ص ( 27 ) ] .
[3] ) أخرجه الإمام البغوي في : « شرح السنة. انظر (سيرة أعلام النبلاء) الإمام الذهبي: ج 5، ص 377.
[4] لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد) الإمام ابن قدامة المقدسي : ص 7.
[5] متفق عليه . البخاري ( 13 / 431 ) ح 7439 في التوحيد ، باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة ، ومسلم ( 1 / 167 ) ح 183 في الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية ، كلاهما من حديث عطاء بن أبي سعيد مرفوعا .