إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعـمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره الكافرون. اللهم صل وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه.
وبعد: فإنّ الإسلام العظيم يحثّ على العلم ويشيـد به ويمجّـد أهله ويرفـع من شأنهم قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. (سورة الزمر: الآية 9), وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. (سورة فاطر: الآية 28).
وبيَّن الرسول الكريم سيد العلماء وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام أنّ طلب العلم نوع من أنواع الجهاد فقال: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ".
وأنّ البحث عنه وتطلّبه يفضي بصاحبه إلى الجنة.
"من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقا إلى الجنة "1 وللعلماء عند ربهم درجـات رفيعـة عاليـة قال تعـالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
وبيّن تعالى الفرق الكبير بين العالم والجاهل فقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}.
وحكومتنا الرشيدة وفقها الله وثبّت أركانها وسدّد خطاها إدراكاً منها لمكانة العلم ومخاطر الجهل جنّدت إمكانيات هائلة ورصدت الميزانيات الضخمة ليشمل العلم والتعليم كل أفراد شعبها الكـريم ذكـوراً وإناثاً وصغاراً وكباراً تتدرّج بهم في سُلَّم العلم من المراحل الابتدائية إلى أعلى مراحل التعليم الجامعية وما بعد الجامعية (الدراسات العليا) في مختلف العلوم والفنون.
وهذه نعمة كبرى على هذا البلد العظيم مهبط الوحي ومنبع النور الذي أضاء العالم فبـدّد ظلمات الجهـل والشـرك والكفـر فيجب على هذا البلد العظيم حكومة وشعباً أن يدرك قيمة هذه النعمة الكبرى ليبذل أقصى جهده في إرضاء ربه والقيام بواجب شكره حتى تدوم هذه النعمة الكبرى وتستمر قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
ويجب أن يدرك أنه لم يحتل هَذه المكانة الرفيعة إلا بالعلم الذي أنزله على أفضل خلقه وأكـرم رسله ألا وهـو علم الكتاب والسنـة, والـذي يحاول أعداء الإسلام بطرق خطيرة غاية الخطـورة أن يحولوا بيننـا وبينـه فيضعـون بيننا وبينه الحواجز والسُدود الظاهرة والخفية حتى نعيش في ظلمات كثيفة من الجهل ونحيا حياة البهائم لا همّ لنا إلا الأكل والشرب والمتاع الدنيوي.
إننا جميعاً حكومة وشعبا نعتز بالإسلام ونحبه ونجله ونفتديه بأموالنا وأرواحنا وكل غال ونفيس, ومـع كل هذا- ونحن في غمرة السبـاق مع أعدائنا في ميادين العلوم الدنيوية, السباق الذي لا يمكن أن ندرك شأوهم فيه؛ لأنهم قوم لا هم لهم إلا الارتواء من متع الدنيا وشهواتها وملذاتهـا ولا يبالـون بما وراء ذلـك من جنة أو نار أو حساب أو عذاب بل هم بذلك كافرون {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}.
إنّ أكثرنا اليوم: يقفون على حافة هوة خطيرة من الجهل بالقرآن والسنة ويوشك أن يصدق فينا قول الرسول الكريم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعـاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جُهّالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " متفق عليه2
إنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم غيث مغدق لا بد أن ينهل منه أبناؤنا حتى التضلع كأسلافهم واتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثـل ما بعثتي الله به من الهـدى والعلم كمثـل غيثٍ أصاب أرضاً, فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكـان منهـا أجـادب أمسكت المـاء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا, وأصاب طائفـة منهـا أخرى إنـما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً, فذلك مثَلُ من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " 3
إننـا نريـد أن يكون أبناؤنا من الطائفتين الأوليين ونعيذهم بالله أن يكونوا من الطائفة الثالثة ولا يتم ما تطمح إليه إلا بالتركـيز على دراسة الكتاب والسنة لأننا والحمد لله قد رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً, فمن البديهي أن يكون أسمى أهداف حياتنا أن نعرف مصدر عزّنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة ألا وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديـه ولا من خلفـه, وبيـانه وشرحه وتفصيله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذين غيَّرا مجرى تاريخ البشرية على وجه الأرض بعد أن أحيا من رفاة الأمة العربية ولمّ من شتاتهم وأخرج منهم خير أمة أخرجت للناس. وما كانت الأمة الإسلامية والعربية إلا بهذا القرآن ولا كان لها دولة ولا صولة إلا به ولننظر إلى تأثير هذا القرآن.
1ـ تأثير القرآن الكريم في أنفس العرب:
لقد أحدث هذا القرآن المعجز أكثر تحوّل في حياة البشر فقلّب طباع الكهول والشباب وأخلاقهم وتقاليدهم وعاداتهم وحوّلها إلى ضدها علماً وعملاً بـما لم يعهد له نظير في تاريخ الإنسانية.
فكان القران آية خارقة للمعهود من سنن الاجتماع البشري في تأثيره بالتبع لكونه آية معجزة للبشر في لغته وأسلوبه.
وبعد أن قلّب حياة العرب في الجزيرة العربية من جهل إلى علم ومن شرك إلى توحيد ومن فرقة وفوضى إلى اجتماع وتنظيم اندفعوا كالسيل الآتي على الأقطار من نواحي الجزيرة كلها فأطاحوا بعروش الأكاسرة والقياصرة أعظم ملوك الأرض واقتلعوا جذور الشرك والظلم ونشروا التوحيد والحق والعدل ودخل الناس في دين الله أفواجا مختارين الاهتداء بهذا القرآن, لاجرم أن سبب هذا كله هو تأثير القرآن العظيم بهذا الأسلوب الذي نراه في المصحف فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يجاهد به الكافرين كـما أمره {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} ثم كان يربي المؤمنين ويزكيهم, وبهدايته والتأسي بمبلّغه ربّوا الأمم وهذبوها وقلما يقرؤه أحد كـما كانـوا يقرءون إلا ويهتدي به كـما كانوا يهتدون, ثم حكموا الدنيا وساسوها بهذا القرآن إذ لم يكن عنـدهم شيء من العلم بسيـاسة الأمم وإدارتها إلا هذا القرآن والأسوة الحسنة بمبلغه ومنفذه الأول وبسنته المطهرة أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم, ولن يعود للمسلمين مجدَهم وعزّهم إلا إذا عادوا إلى هدايته. لقد كان لهذا القرآن العظيم في حياة الناس مسلمهم وكافرهم تأثير بعيد الغور, أما تأثيره في الكافرين فبنفوذ بلاغته، وعظمة نظمه, وأسلوبه الجاذب لفهم دعوته والإيـمان به, إذ لا يخفي حسنها على أحـد فهمها, وكـانـوا يتفاوتـون في الفهم تفاوتـا عظيماً لاختلاف درجاتهم في بلاغة اللغة وفهم المعاني العالية, فهذا التأثير هو الذي أنطق الوليد بن المغـيرة المخـزومي بكلمتـه العالية فيه لأبي جهل التي اعترف فيها بأنه الحق الذي يعلو ولا يعلى والذي يحطم ما تحته.
وهذا التأثير هو الذي كان يجنب رءوس أولئك الجاحدين المعاندين ليلاً لاستماع تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عظيم في بيته على ما كان من نهيهم عنه ونأيهم عنه وتواصيهم وتقاسمهم بألا يسمعنّ له ثم كانوا يتسللون فرادى مستخفين ويتلاقون في الطريق متلاومين.
وهذا التأثير هو الذي حملهم على منع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من الصلاة والتلاوة في المسجد الحرام ليلاً لما كان لتلاوته وبكائه في الصلاة من التأثير الجـاذب إلى الإسلام, وعللوا ذلـك بأنـه يفتن نسـاءهم وأولادهم، بل هذا التأثير هو الذي حملهم على صدّ النّبي صلى الله عليه وسلم بالقـوة عن تلاوة القـرآن في البيت الحـرام وفي أسواق الموسم ومجامعه، وعلى نواصيهم بـما حكاه الله عنهم في قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}. (فصلت: 26).
2 ـ تأثير القرآن في أنفس المؤمنين:
أمـا تأثـيره في المؤمنين فكـان كل من يدخل في الإسلام قبل الهجرة يلقن ما نزل من القرآن ليعبد الله بتلاوته ويعلم الصلاة, ولم يفرض في مكة من أركان الإسلام غيرها فيرتل ما يحفظه في صلاتـه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا فرض الله عليه التهجد بالليل من أول الإسلام قال تعالى في أول سورة (المزمل) :{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ, قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً, نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً, أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} ثم قال في آخرها: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}. (المزمل: 20) أي في صلاة الليل وغيرها.
وقد قال تعالى في وصفهم: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً}. (الفرقان: 64).
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ, تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. (السجدة: 15- 16).
ومما ورد في وصفهم- رضي الله عنهم- أن الذين كان يمر ببيوتهم ليلا يسمع منها مثل دوي النحل من تلاوة القرآن.
وقد شدّد بعضهم على أنفسهم فكان يقوم الليل كله حتى شكا منهم نساؤهم فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلـك فتزكيـة الصحـابـة وتربيتهم بهذا القرآن هي التي غيرت كل ما كان بأنفسهم من مفـاسـد الجـاهليـة وزكتها تزكيـة عالية وهى التي أحدثت أعظم تحول روحي واجتماعي في التاريخ هذا كله إنما كان بكثرة تلاوة القرآن في الصلاة وغير الصلاة وتدبره وربما كان أحدهم يقوم الليل بآية واحدة يكررها متدبراً لها وكانوا يقرءونه مستلقين ومضطجعين كـما وصفهم الله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}. (آل عمران: 191).
وأعظم ذكر الله تلاوة كتابه المشتمل على ذكر أسمائه وصفاته المقدسة وأحكامه وحكمه وسنته في خلقه وأفعاله في تدبير ملكه4
منزلة السنة من القرآن ومكانتها في نفوس المسلمين:
السنة المطهّرة هي ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وهي وحي إلهي قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}. وهي بيان القرآن وتفسيره فهي تبين مجمله وتقيد مطلقه وتخصص عامه وهي واجبة الاتباع بنص القرآن الكريم.
قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. (الحشر: 7).
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. (النور: 93).
و قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. (النساء: 65).
وأمر الله في كثـير من آيـات القـرآن بطـاعة هذا الرسول الكريم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}. (النساء: 59).
وأخبر تعالى أن طاعة الرسول إنما هي طاعة الله قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}.
وقرر الله انه ليس للمؤمنين أي خيارٍ أمام قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}. (الأحزاب: 36).
والحياة الحقيقية والصحيحة إنما هي في الاستجابة لهذا الرسول؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. (الأنفال: 24) .
من هذه التـوجيهات القرآنيـة أدرك المؤمنون عظمة السنة ومكانتها وأدركوا أنه يجب عليهم التزامهـا في كل شأن من الشؤون الإسـلاميـة العقـائـديـة والعبـاديـة والسياسيـة والاقتصـاديـة والاجتـماعيـة والأخلاقية لا فرق بينها وبين القرآن من حيث وجوب الالتزام والطاعة والانقياد والتصديق. إن توجيهات وتعاليم القرآن والسنة المطهرة متمازجة متساندة في كل المجـالات التي خاضها القرآن لا يعـد مؤمنـا من يفـرق بينهما في النواحي العقائدية أو العملية ذلك لأنه يستحيل تطبيق القرآن بفهم بدون هذه السنة المطهرة وكيف يفرق بينهما من يؤمن بقـول الله تعـالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. (النحل: 44). وما جرى مجراها في بيان منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته.
من أين نعـرف أعـداد ركـعـات الصلوات الخمس وأوقـاتها وهيآتها وأذكارها إذا كنا لا نعرف السنة.
وكيف نعرف شروط الزكاة ومقادير أنصبتها إذا لم تكن لدينا سنة محمد صلى الله عليه وسلم وبيانـه.
ومن أين نعرف حد شارب الخمر ورجم الزاني وقطع يد السارق إذا لم نرجع إلى السنة المطهـرة هذه وغـيرهـا من الأمـور الكثـيرة التي يتـوقف الإيـمان بالقرآن وتطبيقه على الإيـمان بالسنـة ومعـرفتهـا وتطبيقهـا والتزامها وإتباعها. قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
مكانة السنة في نفوس الأمة:
من هنـا أدركت الأمـة الإسـلاميـة عظمة السنة ومكانتها فحفظوها كما حفظوا القرآن وصانـوهـا كـما صانـوا القرآن, ودوّنـوا فيها الدواوين من الجوامع والمسانيد والمعاجم والأجزاء والمصنفـات وألّفوا في رجـالهـا وأسانيدها الكتب التي لا تحصى وألفوا الصحاح والسنن وفي المـوضـوعـات والعلل بعد أن ميزوا الصحيح من الضعيف في الموضوع, وألوف المحدثين جندو أنفسهم لخدمتها وكابدوا في سبيلها المشاق والسهر والرحلات الطويلة إلى مختلف بلدان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.
أمـا المؤلفات فهذه مكتبات الدنيا تزخر بها حتى مكتبات أوربا وأمريكا والهند حيث استحوذت على إعجابهم وأدركوا أنه أعظم كنز يتباهون به في مكتباتهم.
وأمـا الـرحـلات في سبيلهـا التي بذلهـا المسلمون في فجر تاريخهم فلا يحصيها إلا الله, وكتب التاريخ والرجال حافلة بذلك.
إلا أننـا نختـار هنـا أربعـة نـمازج للتدليـل على تقـديـر الأمـة الإسلامية لسنة نبيهم واهتمامهم بها ومكانتها في أنفسهم.
1- خرج أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- من المدينة النبوية إلى عقبة بن عامر بمصـر يسألـه عن حديث سمعـه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم إلى منـزل مسلمـة بن مخلد الأنصاري وهو أمير مصر فأخبر به فعجل فخرج إليه فعانقه وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟. فقـال: "حـديث سمعتـه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغير عقبة بن عامـر فابعث من يدلني على منزلـه قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة به فعجل إليه فعانقه وقال: "ما جاء بك يا أبا أيوب؟ " فقال: "حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن" قال: "نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة", فقـال له أبـو أيوب: "صدقت", ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر 5 ]-->
2- قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-: "بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه" قال: "فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلي فسرت إليه شهراً حتى أتيت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري قال: فأرسلت إليه أن جابراً على الباب قال: فرجع إليّ الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم. قال: فرجـع الرسـول إليه فخرج فاعتقني واعتنقته قال: قلت: "حديث بلغني أنك سمعتـه من رسـول الله صلى الله عليه وسلم في المظـالم لم أسمعـه فخشيت أن أمـوت أو تموت قبل أن أسمعه" فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله العباد" أو قال: "يحشر الله الناس" قال: -وأومأ يده إلى الشام- "عُراةً غُرلا بهُماً" قلت: "وما بهماً؟" قال: "ليس معهم شيء" الحديث.
3- جاء رجل إلى الشعبي فقال: "يا أبا عمرو إنّ ناساً عندنا يقولون: "إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بذلته", قال الشعبي: "حدثني أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل من أهل الكتاب كان مؤمنا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فله أجران, ورجل كانت له جارية فعلّمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران" 6 خذها بغير شيء فلقد كان الرجل يرحل في أدنى منها إلى المدينة.
4- قال شعبة: "حدثني أبو إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال: "كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت ذات يوم والنبي حوله أصحابه فسمعته يقول: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر الله إلا غفر الله له".
قال: فقلت لأبي إسحاق: "من عبـد الله بن عطاء؟" قال: "فغضب ومسعـر بن كدام حاضر" قال: "فقلت له لتصحّحنّ لي هذا الحديث أو لأحرقنّ ما كتبت عنك" فقال لي مسعر: "عبد الله بن عطاء بمكة", قال شعبة: "فرحلت إلى مكة لم أرد الحج أردت الحديث فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته؟" فقال: "سعد بن إبراهيم حدثني".
فقال لي مالك بن أنس: "سعد بن إبراهيم بالمدينة لم يحج العام".
قال شعبة: "فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم، فسألته, فقال: "الحديث من عندكم لزياد بن مخراق حدثني", قال شعبة: "فلما ذكر زياداً قلت: أي شيء هذا الحديث بينما هو كوفي إذ صار مدنياً إذ صار بصرياً قال: "فرحلت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق فسألته؟" فقـال: "ليس هو من يأتـيـك " قلت: "حدثني به " قال: "لا ترده" قلت: "حدثني به" قال: "حدثني شهـر بن حوشب عن أبي ريحـانـة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم", قال شعبة: "فلما ذكر شهر بن حوشب قلت: دمّر على هذا الحديث لو صح لي مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبّ إليّ من أهلي و مالي والناس أجمعين.
على أيّ شيء تدل مثل هذه الرحلات الطويلة الشاقة من أجل حديث واحد, ألا تدل على إيـمان صادق وحب صادق لرسـول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وهـديـه ومعـرفة بمكانتها, وأنهم قوم يعرفـون القيم الحقيقيـة للأشياء, وأن حديثـا واحـداً عنـدهم خير من الدنيا وما عليها لهذا استحقوا أن يعزهم الله وأن يبوّأهم سنام المجد والعز والتمكين.
سمعوا قول الله: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}. وسمعـوا قول رسـول الله: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافراَ شربة ماء".
وسمعوا قوله: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خـير من الدنيا وما عليها".
وسمعوا قوله: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها".
فهانت الدنيا وصغرت في أعينهم وعظم أمر الإسلام والقرآن والرسول وسنته في أعينهم, ونحن على النقيض صغـرت هذه الأمور الكبـيرة العظيمة في أعيننا وكـبرت الدنيا وشهواتها وملاذها في أعيننا وصرنا نركض ونلهث لتخفيف أكـبر متاع منها.
فهُنّا على الله وسلّط علينا الأعداء وحاق بنا في الذل والهوان مالا ينزعه عنا إلا العودة الجادة إلى الله والاعتزاز بهذا القرآن وهذه السنة كـما أخبرنا بهذا المصير رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" وديننا هو القرآن والسنة.
وأول خطوة في طريق العودة إلى الله يتمثل في أمور:
1ـ إصلاح المناهج.
2- اختيار المـدرس.
3- اختيار الطلاب الأذكياء.
أولا: إصلاح المناهج:
لست بصدد وضع حطة شاملة أو وضع مناهج تفصيلية لكل المراحل العلمية, فهذه لها من يقوم بها وهم المسؤولون عن هذه المناهج.
ولا شك أنهم حريصون على ما يسعد أمتهم ويرفع من شأنهم في الدنيا والآخرة. ولا شك أيضا أنهم على استعداد لتقبل ما يقدم لهم من الاقتراحات النافعة.
وهم والحمد لله قد وضعوا مادة القرآن كـمادة أساسية ضمن المناهج المقررة في المدارس في مختلف المراحل ظناً منهم أن هذا الأمر كان لتربية أبنائهم تربية إسلامية.
غير أن الأيام أثبتت والتجارب برهنت أن نصيب القرآن في هذه المناهج غير كاف ولا مؤثر في أبنائنا التأثير المطلوب.
إذن لابـد من إعـادة النظـر ولا بـد من العمـل الجاد في وضع منهج يخرج شبابا محـمديا يفهم الإسلام ويحفظ القرآن ويعتز بمبادئه ومثله, ويطبق شعائره وبجاهد من أجلها حتى آخر رمق من حياته.
إنّ واقـع المنـاهـج الحـالية يعجز أن ينجب هذا النوع الذي نتطلع إليه وهذا شيء لا نريـده جميعـا ولا نرضـاه ولكنـه وقـع من حيث لا نشعـر فمثلا لو استعـرضنا منهج المرحلة الابتدائية لوجدنا أننا كلفنا أبناءنا وبناتنا فوق طاقاتهم وهي مرحلة أساسية في بنائهم فلابد أن نراعى مداركهم واستعدادهم وأن يقدم إليهم ما يرغبهم ويشجعهم إلى المضي قدماً في طريق الإسلام عن فهم وحب ورغبة في العلم.
وليكون الأمر واضحاً أضع أمامكـم منهج سنتين من سنوات المرحلة الابتدائية:
أولا: مقرر السنة الثالثة ابتدائي:
1- مادة الرياضيات كتاب يقع في 181 صفحة.
2- مادة العلوم كتاب يقع في 104 صفحة.
3- أناشيد كتاب يقع في 84 صفحة.
4- مادة المطالعة كتاب يقع في 140 صفحة.
5- مادة القرآن يضاف إليها المجموع509 صفحة.
ثانيا: مقرر السنة الخامسة ابتدائي للبنات:
1- الرياضات في 211 صفحة.
2- المطالعة في 167 صفحة.
3- التربية النسوية في 165 صفحة.
4- الجغرافيا في 67 صفحة.
5- العلوم في 145 صفحة.
6- الحـديث والتـوحيـد والفقـه والتجويد في 186 صفحة
7- القواعد اللغوية في 158 صفحة.
8- التاريخ في 80 صفحة.
المجموع 1179 صفحة.
إلى جانب مادة القران والخط.
كيف يستطيع هؤلاء البراعم أن يهضموا أو يفهموا هذه المواد التي قد يعجز كثير من أساتذتهم أن يفهموهم إياها, وإذا واجه أحد الطلاب مشاكل لا يستطيع أهله ولا جيرانه أن يحلوهـا وربـما الأمر أدهى فيـما بعـد المرحلة الابتدائية, أما القرآن فحدث عنهم ولا حرج فإن الكثير أو الأكثر يتجاوزون المراحل كلها بـما فيها الجامعية وهم لا يحسنون تلاوته من المصحف فضلا عن حفظه وفهمه, هذا حقيقة والواقع أكبر شاهد وهذه خسارة فادحة لا تقدر بثمن ولا تعوض وإذن فـما الحل وما هو الطريق الذي يجب أن نرسمه ونقيم حياتها عليه؟
الحل الصحيح في نظري يتمثل فيما يأتي:
أولا: تكثيف مدارس تحفيظ القرآن تنصبُّ العنايةُ فيها على تحفيظ القران ثم يضاف إليـه ما يسـاعـدهم على إجـادة قراءتـه كالخـط والإملاء إلى السنة الرابعة ثم تضاف مادة الحسـاب: الجمـع الطرح الضـرب, الجمـع في السنَـة الرابعة, الطرح في الخامسة, الضرب في السادسة مع كتاب لطيف يشرح لهم العقيدة والصلاة.
وليكن التركيز في هذه المرحلة على حفظ نصف القرآن على الأقل.
ويشرف على اختبار الطلاب في نهاية كل سنة لجان من حفاظ القرآن الثقات بحيث لا ينتقـل الطـالب من صف إلى آخر إلا بعد التأكد من حفظ مقرر القرآن في الصف الذي ينتقل. والطالب الذي يعجز عن حفظ المقرر يبق في سنتـه تلك للقيـام بواجب حفظـه القرآن في سنته التي يبق فيها ولا يجتاز هذه السنة إلا بعد التأكد من حفظه لمقررها..
ثم تستمر هذه المدارس في تحفيظ القرآن ودراسة علومه في المرحلة المتوسطة ولتكن هذه المرحلة خمس أو ست سنين .
ويكـون التركيز في هذه المرحلة على حفـظ النصف الباقي من القرآن مع مراجعة النصف الأول مراجعة جادة حتى لا ينسـاه الطلاب ثم يضـاف إلى حفـظ القرآن مادة التجـويـد ومادة التوحيد والفقه والحديث يختار لهم الأمور المهمة في العقيدة والفقه ويكلفون بحفظ أربعين حديثا على الأقل في كل سنة.
ثم الجغرافيا في السنة الأولى والتاريخ في باقي السنوات.
ثم تستمر هذه المدارس في العناية الجادة بحفظ القرآن في المرحلة الثانوية ولتكن هذه المرحلة أربع سنوات أيضاً, يعتني فيها بمراجعـة حفظ القرآن عناية جادة مع دراسة علوم القرآن وعلوم الحديث والحديث والفقه والفرائض ويستمر اختبارهم في حفظ القرآن عن طريق اللجان المذكورة في كل سنة من السنوات على الوجه السابق.
ثم بعـد اجتيازهم المرحلة الثانـوية يوزعون على كليات الشريعة والحديث والقرآن الآتي ذكرها.
ثانيا: المدارس القائمة حاليا تكون المرحلة الابتدائية على غرار ما ذكرته في الابتدائية من مدارس تحفيظ القرآن في كل شيء.
ب- المرحلة المتوسطة: لتكن ست سنـوات ويعنى فيها بحفظ النصف الباقي من القرآن ويجرى الامتحان في حفظ القرآن على غرار ما ذكرناه في مدارس تحفيظ القرآن والذي لا ينجح في مقرر السنة التي هو فيها يبقى فيها إلى أن يجتازها بنجاح ويقرر في هذه المرحلة مواد المرحلة الابتدائية الحالي مع استحسان تخفيفها باختصار بعض المواد الصعبة وتوضيحها وإبعادها عن الرموز والتعقيد وتصفيتها من الشوائب مع ربطها بالعقيدة الإسلامية الحقة.
ج- المرحلة الثانوية: لتكن أربـع سنوات وفي هذه المرحلة يحسن تقسيمهم على حسب ميـولهم واستعـدادهم للتخصصـات المستقبلة فقسم للطب وقسم للهندسـة وقسم للقرآن وعلومه وقسم للحديث وعلومه وقسم للشريعة وقسم للاقتصاد الإسلامي وهكذا مع العنـايـة بمراجعة حفظ القرآن والاختبار فيه في نهاية كل سنة يتقدم الناجح ويبقى الراسب إلى أن يجتاز سنته بنجاح.
ومـع دراسة قضايا مهمة في العقيدة والفقه وشيء من حفظ الحديث في كل سنة من سنوات قسم الطب والهندسة والاقتصاد.
ثم يتخرج طلاب كل قسم إلى الكلية التي فيها اختصاصه.
المرحلة الجامعية:
ينبغي أن تقوم في كل جامعة من جامعات المملكة كليات.
1- للقرآن. 2- للحديث. 3- للشريعة.
ثم يستمر في المرحلة الجامعية في كل الكليات كلية الطب, كلية الهندسة, ..الخ, في مراجعة حفظ القران وحفظ مقدار مناسب من الحديث في كل سنة من السنوات ويختبرون في الحفظ ولا يجتاز الطالب سنة إلى أخرى إلا بعد النجـاح فيـما يقرر مراجعة حفظه في القرآن ومقرر الحفظ من الحديث, مع إضافة شيء من علوم القرآن والحديث إلى المواد المقررة في كل كلية من الكليات.
وإضافة مادة للرد على شبهات المستشرقـين وغيرهم من أعداء الإسلام. الشبهات التي يوجهونها ضد الإسلام في كل سنة من سنوات جميع الكليات هذا مع إشعار الطلاب جميعاً وفي كل المراحل أنهم إخوة في الله وأن غايتهم جميعاً واحدة وأنهم جميعاً جنـد في سبيل الله وأنهم لَبِنات في صرح مجتمع إسلامي واحد يشد بعضهم بعضاً, وأن تزال كل أسباب التنافر المـوجـودة بينهم وأن يسـاوى بين خرّيجي مختلف الكليات في الـرواتب والمراتب, وأن توجـه كل طاقـاتهم ضد أعداء الإسلام الذين تكالبوا على الإسلام والمسلمين والذين تداعوا على المسلمين كـما تتداعى الأكلَة على قصعتها.
أعداء الإسلام على اختلاف أديانهم وعقائدهم من استعماريين وشيوعيين وصهيونيين ومبشرين الذين يجمعهم التعصب الأعمى والحقد المميت ضد الإسلام والمسلمين.
إن أعـداء الإسلام الـذين يدركون تمام الإدراك تأثير القرآن والسنة في حياة المسلمين فيحـاولون بدهـاء وخبث أن يفصلوا بـين المسلميـن وبين كتـابهم الخالد وسنة نبيهم المطهرة اللذين يبعثـان في المسلمين بين الفينـة والأخـرى الحياة الصحيحـة حياة الإيـمان الصادق ويبعثـان فيهم روح الجهاد ويكسبـانهم النصر على أعدائهم لأنهم حينما يعتصمون بكتاب ربهم وسنة نبيهم يكون الله معهم فيؤيدهم وينصرهم على أعدائهم.
فتحت شعـار البحث العلمي وحـرية الفكر تناول المبشرون والمستعمرون والصليبيون والصهيونيون والشيوعيون القرآن شر تناول.
وباسم الحضارة والمدنية قضوا على ما فيه من تشريع وعبادة.
وباسم حرية الفكر وإطلاقه من أغلال العقيدة زعزعوا قواعد دين الإسلام في نفوس المهزوزين.
وباسم البحث العلمي نزعوا عن القرآن قداسته من نفوس الضعفاء وهذا أشد وأنكى على الإسلام والمسلمين من الحروب العسكرية.
ولا يرد هذا الكيـد الخبيث والعمـل الرهيب إلا أن نحصن أبنـاءنـا بتعـاليم الكتاب والسنـة وأن نسلحهم بالحجـج الـدامغـة المزهقـة لباطل ومفتريات أعداء الإسلام وإلا أن نخرج الجندي المسلم والطبيب المسلم والمهندس المسلم والمحدث الواعي والفقيه المتبصر. وكل هذا سيحققه إن شاء الله المنهج الذي رسمناه وتحدثنا عنه.
ثانيا: اختيار المدرس:
المدرس له أثره البالغ على التلميذ فهو أسوته ومثله فيجب اختيار المدرس الرباني التقي قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}.
والعلماء هم ورثة الأنبياء في علمهم وأخلاقهم ودعوتهم إلى الله، فلا بد للمدرس أن يتمتع بحظ وافر من هذه الوراثة.
في علمـه أن يكـون عالمـا بدينـه, وفي أخـلاقـه من الإخلاص والصبر والحلم وصدق الحديث والفعل إلى جانب الذكاء والحرص على تنشئة تلاميذه على الإسلام الحق وأخلاقه وآدابه ومثله.
ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يكون الاعتماد في اختيار المدرس على الشهادات بل يجب أن يراعي في الـدرجـة الأولى عقيـدتة وأخلاقه الإسلامية وتمسكه بدينه. وهذا أمر مهم جداً لا مناص من اعتباره.
فالمدرس الذي انجرف في عقيدته وفكره أو الضعيف الأخلاق والسلوك أو المتهاون في العبادة والصـلاة أخطـر على أبنـائنا من الأمراض الفتاكة, وما نشاهده من انحراف في سلوك كثـير من الطـلاب أو تهاونهم في أداء الصلوات بل استثقالها وما نراه من زههدهم في القرآن وتـلاوتـه وحفظـه وفهمـه يعود معظم وزره على كثير من المدرسين الذين أثروا بسلوكهم في أبنائنا وفلذات أكبادنا.
فعلينـا أن نستمـر عن ساعد الجد لعلاج المصابـين منهم في أخلاقهم وسلوكهم وعلينا أن نبذل كل ما نستطيع من طاقات لحـمايتهم ووقايتهم من الأمراض الفكرية والخلقية أشد مما نبذله لعلاج أجسادهم وحمايتها.
فكما لا نثق بالطبيب الـذي يقـدم الإبر المسمومـة والدواء الفـاسد الذي قد يؤدي بحياتهم كذلك يجب أن نحميهم ممن يفتك بأخلاقهم وسلوكهم من المدرسين.
وكما يجب أن نختـار الطبيب الأمـين المخلـص كذلـك يجب أن نختـار المدرس الأمين الصادق المخلـص أكثر وأكثر وأهم وأهم.
ثالثا:اختيار الطلاب الأذكياء
الطلاب هم أبناء اليوم ورجال الغد فهم رجال المستقبل الذين سيكون منهم الأستاذ المسلم والقاضي المسلم والجندي المسلم والطبيب المسلم والمهندس المسلم.
وهـذه أمـور مهمـة وعظيمة جدا فلا بد من دراسة مواهبهم واستعداداتهم ولا بد لكل ثغـر من ثغـور الإسلام أن يملأ برجـالـه وأهـل الكفـاءات فيـه فمن المرحلة الثانوية يبدأ التقسيم، تقسيم الطـلاب إلى الاختصـاصات التي ذكـرتهـا سابقـا لا بمجرد أن يختار كل طالب ما يريد.
بل لابـد من الاستعـانـة برأي الأسـاتـذة الأذكياء المخلصين الذين يعرفون المواهب والاستعدادات بفراستهم وتوسمهم وخبرتهم وتجارتهم.
إن الأذكياء من أبنائنا اليوم ينصرفون عن العلوم الإسلامية من قرآن وحديث وتفسير وفقه لأسباب يعلمها الله.
والمعـاهـد العلميـة والكليات الشرعيـة لا يوجد فيها إلا النادر من الأذكياء, لقد كان الأذكياء والعبـاقرة في عهود الإسلام الزاهية يتجهون إلى دراسة العلوم الإسلامية وتدريسها والتأليف فيها خصـوصـاً علوم الحـديث فوصلوا بالعلوم الإسلامية وبالأمة الإسلامية إلى مستوى لا يوجد له نظير في تاريخ الإنسانية كله.
ونحن اليوم بأشد الحاجة والضَرورة إلى هذا النوع من عباقرة الرجال ليعيدوا لنا مجد الإسلام وليسـددوا الضربـات القـاتلة بفكـرهم وأخلاقهم إلى أعداء الإسلام من مبشرين وغـيرهم من منطلق الهجـوم إلى ثغـرات الأعـداء التي لا تحصى في عقَـائـدهم وأخـلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم..
إننا اليوم بخلوِّ الميادين من أمثـال هؤلاء في مركـز دفاع هزيل عن الإسلام وأهله لا يحمي الأبناء ولا يصد هجوم الأعداء.
فلا بد إذن من ملء هذا المجـال بالعبـاقـرة والأذكياء بدل أن تضيع كثير من طاقاتنا أو تذهب إلى مجالات أخرى لا تفيد منها بل قد تضر بأمتها ودينها كـما تحوَّل كثير من أبناء الأمة الإسلامية إلى معاول بأيدي خصومنا وتوجههم هدم كياننا وديننا.
رابعا: تهيئة الجو لتربية الطلاب تربية إسلامية صالحة:
يجب أن يفهم الطلاب أن المدرسة معقل من معاقل الإسلام ومحضن يتربى فيه أبناء المسلمين ليؤدي كل واحد دوره في خدمة دينه وعقيدته.
وعلينا أن نفهمهم دينهم دين أخلاق عالية ومثل رفيعة وأن رسولهم خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق", وقد قال الله في حقه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
ويجب أن يكون مديرو المدارس والأساتذة على مستوى عالٍ من الدين والخلق الرفيع.
كـما يجب أن يحببوا الصـلاة إلى نفـوس الطـلاب وأن يشعروهم أنها عماد الإسلام لن يقوم الدين إلا بها وأنها أهم شيء في حياتهم بعد الشهادتين فليقيموها جماعة في المسجد إن كان بجوار المدرسة مسجد وإلا ففي المدرسة حتى يتم بناء مسجد يجاورها, ومما يؤسف له مر الأسى أن بعض المـدارس لا تقام فيها الصـلاة وذلـك يرجـع في الأغلب إلى سوء الإدارة وتهاون بعض المـديـرين في أمـر الصـلاة كـما يسـاهم إلى حد بعيد بعض المدرسين الذين لا يخافون الله في أنفسهم ولا في أمتهم ولا يدركون فداحة الجناية التي يرتكبونها في حق الأمة ودينها.
هذه الصلاة تركها كفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر"8] وكـان الصحابة لا يرون شيئاً من العمل كفراً سوى ترك الصلاة, وقد اتفق العلماء أن من تركها جحـداً فهـو كافـر ويقتـل على هذا الكفر وإن تركهـا تكـاسلاً وتهاونا فبعضهم يرى أنـه كافر وهـو مذهب قوي ولـه أدلته, والآخرون يرون أنه يقتل حداً ومن يرى السجن دون القتل مذهبه ضعيف.
من المحتم علينا أن نشعر الطلاب باحترامها وأهميتها والذي تحدثه نفسه بالتهاون فيها فعلى المسؤولين أن يرغمـوه عليهـا إرغـامـا كـما قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: "علموهم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".
والذي لا تنجع فيه وسائل الـترغيب والترهيب والعقوبة فالواجب إبعاده عن المدرسة لأنـه جرثـومة فاسـدة قد يسـرى بلاؤه فيمن حولـه كـما أن هذه الجـديـة والصرامة يجب أن تلاحقهم حتى في خارج الدوام كالأندية الرياضية ومما يؤسف له أشد الأسف أن كثيراً من الأندية تمر بهم الصلاة وهم في غمرة اللهو واللعب فلا يستحون من الله ولا يخجلون من الأمة.
وقد يكـون فيهم بعض الأساتـذة وقـد يكون معهم بعض الشخصيات, إن هؤلاء يجب أن تنالهم يد العدالـة وأن تنكـل بهم تنكيلا شديـداً يكـون رادعاً لأمثالهم ممن تسوّل له نفسه الاستخفاف بشيء من تعاليم الإسلام كالصلاة.
إنّ التهرّب من الصلاة واستثقالها من سمات المنافقين الذين همّ رسول الله بإحراقهم والذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً}.
ما يجري في الأندية الرياضية في العالم الإسلامي يجب على المسلمين أن يتخلصوا أو يخلصوا أبناءهم منه فإن له دوراً كبـيراً في قتل الوقت وقتل الدين والخلق وينبغي أن يكون فقط في حدود الإطار الـذي أباحه الإسلام دون أن يصطدم بشيء من مبادئ الإسلام وأخلاقه ومثله.
كذلـك وسـائـل الإعلام من إذاعـة وصحافة من واجبها أن تقدم النافع من البرامج للأمـة وان تبتعـد عمالا يتفق مع تعاليم الإسـلام, وعلى الآبـاء أن يراقبـوا أبناءهم في متابعة البرامـج حتى لا تضيـع أوقـاتهم في ملاحقتها فتصرفهم عن الدراسة الجادة وحفظ القرآن وينبغي أن يكون هناك توعية وتنبيه الآباء والأمهات في دعامة أولادهم والمحافظة على وقتهم فلا يسمحون لأبنائهم في متابعـة البرامج إلا بوقت محدود وبالنافع منها فقط وإبعادهم عن الضار إن كان هناك ما يضر بدينهم أو خلقهم.
هذا ما بدا لي حول ربـط أجيالنا بالقرآن والسنـة كـما كان أسلافهم في أزهى عصور الإسلام. وأرجو أن أكون قد وفقت كـما أرجو أن يجد آذانا صاغية وأمة واعية مستعدة للعودة إلَى ربها والتمسك بكتاب ربها وسنة نبيها وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
1أخرجه البخاري: 3- كتاب العلم بدون إسنـاد، وأخرجه مسلم 48 من كتاب الذكر والدعاء باب ا1- حـديث (2701) ضمن حديث طويـل, وأبـو داود: 19- العلم باب ا- حديث (3641) ضمن حديث طويـل, الترمذي: 19 كتاب العلم حديث (2682), وأحمد في المسند: 2/ 252.
2أخرجه البخاري: 3- العلم باب كيف يقبض العلم حديث (100), ومسلم: 47- كتاب العلم 14 حديث 2673.
3 أخرجه البخاري: 3- العلم حديث 79.
4راجع تفسير المنار 11/ 201- 205.
5أخرجه الإمام أحمد في المسند مختصراً (4/ 153), والرحلة للخطيب ص120.
6أخرجه أحمد في المسند 3/ 495 والبخاري في الأدب المفرد 2/ 433. وأخرجه في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم 1/ 22 والحاكم في المستدرك وصححه 2/ 427 - 428 ووافقه الذهبي, والرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 111.
7الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 151، وأصل الحديث في صحيح مسلم 1/ 144.
8أخرجه النسائي: باب الحكم في تارك الصلاة 1/117. وأحمد في المسند 6/346.
-نشر بمجلة الجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية العدد الثانى و الستين ربيع اخر 1404 ه
حملة السكينة
أثر القرآن والسنة في العملية التربوية
المدير العام- مؤسس الموقع
- الاوسمة : تم ايقاف نضام الاوسمة حتى اشعا اخر
عددد المساهمات : 1758
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 23/07/2011
العمر : 28
- مساهمة رقم 1